عمران السكران
منذ وقت ليس ببعيد، كان الحديث عن عودة خدمة العلم يبدو مجرد فكرة تتردد في الأروقة، لكن فجأة، دخلت الفكرة حيّز التنفيذ بقوة، وكأن الدولة قررت أن الوقت قد حان لإعادة ترتيب علاقة الشباب بالانضباط، أو على الأقل منحهم فرصة لروتين يومي مدروس بعيدًا عن دائرة “اليوم يبدأ متى صحّينا”.
وبينما كان مجلس النواب يقرّ مشروع القانون المعدل لخدمة العلم والخدمة الاحتياطية لسنة 2025 في جلسة امتدت أربع ساعات، بدا المشهد أشبه بإعلان رسمي لحقبة جديدة تعود فيها الخدمة بروح مختلفة: أقل صرامة مما يَخشى البعض، وأكثر واقعية مما يتوقع آخرون.
إعادة التفعيل التي أعلن عنها سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني في آب الماضي لم تأتِ من فراغ، بل في لحظة يواجه فيها الشباب تحديات البطالة والفراغ وتشتت الاتجاهات المهنية، لذلك المشروع محاولة لجمع هذه الطاقة المتناثرة وإعادة تشكيلها في إطار أكثر صلابة، يساعد الشاب على اكتشاف ذاته من جديد… وربما اكتشاف ساعة المنبّه أيضًا.
الحكومة وضعت المشروع في مقدمة أولوياتها التشريعية، تمهيدًا لبدء تنفيذه مطلع شباط 2026، بعد أن أقره مجلس الوزراء في أيلول 2025، ويهدف القانون إلى تنظيم الأسس القانونية اللازمة للتفعيل، بما فيها حالات التأجيل، وتمكين القوات المسلحة من تقديم برامج تدريبية يمكن احتسابها ضمن متطلبات الدراسة الجامعية، كما ألغى المشروع الامتيازات القديمة في التعيينات، في إشارة لطيفة ولكن واضحة: “الخدمة تمنحك الخبرة… لا وظيفة جاهزة”.
الصيغة الحديثة للخدمة تتجاوز التدريب العسكري التقليدي، لتشمل مهارات مهنية يحتاجها سوق العمل، ما يجعل مدة الأشهر الستة رحلة تأهيل شاملة بين الانضباط البدني وصقل المهارات، وفي ظل التحديات الأمنية الماثلة، تبدو عودة الخدمة خطوة ضمن الاستعداد الوطني العام، بنَفَس عملي يقول للشباب: “الدور عليكم… والبلد يعوّل عليكم”.
كما يمنح القانون معالجة واقعية لمشكلتي الفراغ عبر إدخال الشباب في بيئة إيجابية مليئة بالنشاط والانضباط، بدل تركهم في مواجهة مؤثرات يومية غير محسوبة، ورغم الطابع الجاد للمشروع، إلا أنه يحمل روحًا خفيفة، إذ يعيد وصل الشباب بالمؤسسات الوطنية بطريقة أكثر نعومة، تجعل الخدمة تبدو أقرب إلى تجربة مفيدة منها إلى تحدٍّ ثقيل.
ومع اقتراب التطبيق، يدخل الأردن مرحلة جديدة تُعيد تعريف خدمة العلم باعتبارها فرصة لبناء الذات، وتعزيز الانتماء، وتشكيل جيل أكثر وعيًا واستعدادًا… وربما أقل نومًا بعد الظهر.
نافذة البيئة والتنمية الاخباري