مركز زها الثقافي .. قرية الإبداع التي تعيد تعريف مستقبل الطفل والشباب
د. هيفاء ابوغزالة
في قلب عمّان يقف مركز زها الثقافي كمساحة نابضة بالحياة، أعيد افتتاحه عام 2014 بعد عملية تطوير وتحديث وتوسعة شاملة جعلته واحدًا من أهم المراكز الثقافية والفنية في الأردن والمنطقة. لم يعد مجرد مكان يقدّم أنشطة للأطفال والشباب، بل تحول إلى قرية إبداعية حقيقية تجمع المعرفة والفن والتكنولوجيا في بيئة واحدة تعيد تشكيل علاقة الأجيال الجديدة بالثقافة والتعلم.
جاءت زيارتي للمركز القائم في منطقة خلدا بناءً على دعوة من المديرة المبدعة رانيا صبيح، التي رافقتني في جولة شاملة بين مرافقه المتنوعة. ومنذ اللحظة الأولى بدا واضحًا أن هذا المركز يتجاوز الدور التقليدي للمؤسسات الثقافية، إذ يقدّم تجربة متكاملة تقوم على التعلم التجريبي وصقل المهارات وتنمية الخيال، ويعتمد في برامجه على منهجيات حديثة في اكتشاف المواهب وبناء الثقة وتعزيز الشغف.
يضم المركز قاعات فنية مجهزة بأحدث التقنيات، ومطبخًا تعليميًا يربط المعرفة بالحياة اليومية، ومسرحًا متكاملًا يوفر مساحة للتعبير والإبداع، إلى جانب ساحات وملاعب ومساحات مفتوحة صُممت لتحفيز الحركة والتفاعل والاكتشاف. كل زاوية في هذا المكان تعكس رؤية واضحة تقوم على أن الطفل يتعلم عندما يجرب، ويبدع عندما يشعر بالأمان، وينطلق عندما يجد من يؤمن بقدراته.
ما يميز مركز زها الثقافي أنه لا يقدم برامج ثقافية وفنية فقط، بل يعمل كمرجع وطني في كيفية تحويل الفضاءات الثقافية إلى منصات نمو وتعلّم، ويحرص على وضع الفنون والثقافة وتطوير الذات في متناول أكبر عدد ممكن من الأطفال واليافعين والشباب. وفي كل خطوة من الجولة مع رانيا وأسرة المركز الذين استمتعت بالاستماع الى المبادرات التي يعملوا عليها ، حيث كان الانتماء للمهمة التربوية والإيمان برسالة المركز حاضرًا بقوة، وكأن كل فرد في هذا الفريق جزء من حلم أكبر يطمح إلى بناء جيل مفكر، خلاق، وواثق من ذاته.
لقد كشف لي هذا المكان عن نموذج رائد في الاستثمار بالمستقبل، مستقبل يقوم على الثقافة والمعرفة والمهارة والإبداع، ويجعل من الطفل محورًا لكل مبادرة وكل فكرة وكل مساحة. مركز زها الثقافي ليس مجرد مؤسسة، بل قصة نجاح أردنية تستحق أن تُروى، لأنها تصنع الفارق اليوم وتبني الغد بثبات وإلهام
وتبرز أهمية هذه التجربة أكثر عند التفكير بإمكانية نقل نموذج مركز زها الثقافي إلى الدول العربية، فالمركز يقدم مقاربة متقدمة في العمل الثقافي والتربوي يمكن أن تلهم مبادرات مماثلة في المنطقة.
إن تبادل الخبرات بين المراكز الريادية العربية في مجالات الإبداع والفنون والتعلم التجريبي سيتيح بناء شبكة عربية قوية تعمل على تمكين الأطفال واليافعين والشباب، وتبادل البرامج والمناهج والابتكارات التي تثري التجربة الثقافية العربية ككل.
فكما يمكن للأردن أن يقدّم نموذجًا ناجحًا من خلال مركز زها، يمكنه أيضًا الاستفادة من التجارب الريادية المثيلة في المنطقة، بما يعزز فرص تشكيل حركة عربية واسعة تؤمن بأن الاستثمار في الطفل هو الركيزة الأساسية لبناء مستقبل أكثر إبداعًا واستدامة.
نافذة البيئة والتنمية الاخباري